مقدمة
في كثير من الأحيان، لا يكمن التحدي في اتخاذ القرار ذاته، بل في هل ستصمد النفس بعد القرار؟
قد يكون الجسد قويًا، قادرًا على الإنجاز والتحمل والمواجهة…
لكن النفس — بطبيعتها العميقة والحساسة — قد تهتز من رهبة الموقف، أو من الخوف من أن لا يتحقق ما تصوّره العقل من حلول، خاصة في مسائل مثل التعدد، المشاريع الكبيرة، أو أي قرار يعيد تشكيل الحياة.
هذا المقال موجه لكل من يعيش هذا التناقض الجميل والمتعب:
قوة جسدية وحياة عملية ناجحة…
لكن في الداخل نفس مترددة، تخاف الخيبة أكثر مما تخاف الفعل.
أولًا: لماذا نشعر بالرهبة رغم القوة؟
ليس الضعيف هو من يتردد…
بل العاقل هو من يخاف أن يدفع ثمنًا نفسيًا كبيرًا بلا نتيجة واضحة.
الرجل القوي الجسد غالبًا:
- ينجز
- يبني
- يتحمل
- يقاوم الضغوط
لكن النفس العميقة:
- تُكثر التفكير
- تراجع كل خطوة
- تخشى الندم
- تخشى أن تفقد توازنها الداخلي
وهذا طبيعي… بل صحي.
لأن القرارات المصيرية لا تحتاج “اندفاعًا”، بل تحتاج نضجًا يسبق الشجاعة.
ثانيًا: الخوف الحقيقي ليس من القرار… بل من ما بعد القرار
الرهبة تظهر غالبًا من شيئين:
1) الخوف من ألا تصمد النفس
أن يدخل الإنسان تجربة قوية، ثم ينهار داخليًا بعد أن كان ثابتًا وهادئًا.
2) الخوف من ألا تكون النتيجة كما رسمها في خياله
خوف أن يتعب، ويدفع، ويغامر…
ثم لا يجد حلًا لمشكلته أو لا يحقق الراحة التي كان يبحث عنها.
وهذه ليست “جبنًا”، بل حكمة فطرية.
ثالثًا: الفرق بين الخوف الصحي والخوف المعيق
- الخوف الصحي يوقفك قليلًا… حتى ترى الطريق بوضوح.
- الخوف المعيق يمنعك حتى عندما تكون قادرًا.
المطلوب ليس قتل الخوف…
بل ترويضه ليصبح عامل حماية، لا عامل شلل.
رابعًا: خطوات عملية للتعامل مع هذا التردد
1) اعترف أن التردد جزء من شخصيتك وليس عيبًا
بل جزء من عمقك ونضجك.
2) افصل بين الصورة المثالية والواقع المحتمل
لأنك إن بنيت القرار على خيال، ستنهار عند أول اختلاف.
3) ضع عوامل “التحمل النفسي” قبل عوامل “الفائدة المتوقعة”
القرار يجب أن يناسب قوة احتمال نفسك، لا فقط رغبتك.
4) اسأل نفسك السؤال الأهم:
هل أستطيع التعايش مع أسوأ احتمال؟
إن كان الجواب: نعم → القرار ناضج.
إن كان: لا → القرار يحتاج ضبطًا وتهيئة.
5) خفف الضغط عن نفسك
لست ملزمًا أن تكون بطلًا في كل تجربة.
يكفي أن تكون صادقًا مع ذاتك.
خامسًا: لا أحد يدخل قرارًا مصيريًا بلا رهبة
حتى الواثقون، حتى الأقوياء، حتى المجربين…
الرجل العاقل يشعر بالرهبة قبل خطوة كبيرة.
لأن الرهبة جزء من الرحمة التي كتبها الله على عباده، حتى لا يتهوروا ولا يُظلموا أنفسهم.
سادسًا: التعدد نموذج واضح لهذا الصراع
ليس كل رجل يخاف من التعدد لأنه ضعيف…
بل لأن التعدد يعيد تشكيل حياته ومسؤولياته ونفسيته.
الخوف هنا علامة وعي، لا علامة هروب.
ومن يدخل التعدد بلا رهبة…
يدخل بلا بصيرة.
أما من يدخل وهو يحسب حساب نفسه وأهله وزوجته وبنائه الداخلي…
فهو الأقرب للنجاح.
الخلاصة
القوة الحقيقية ليست في الجسد…
ولا في القرار…
بل في القدرة على اتخاذ قرار لا يُفقدك نفسك.
إن واجهت رهبة القرار، فاعلم أنها جزء من تكوينك العميق…
وليس نقصًا في رجولتك ولا في قوتك.
خاتمة
هذا المقال مقدَّم من متجر الرواد
لزيارة المتجر:
نقدّر وقتك، ونسأل الله أن نكون قد وُفِّقنا في تقديم ما يعينك على اتخاذ قراراتك بوعي وطمأنينة.